سورة الشعراء - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


أسند {كذبت} إلى القوم وفيه علامة التأنيث من حيث القوم في معنى الأمة والجماعة، وقوله {المرسلين} من حيث من كذب نبياً واحداً، كذب جميع الأنبياء إذ قولهم واحد ودعوتهم سواء، وقوله {أخوهم} يريد في النسب والمنشأ لا في الدين، و{أمين} معناه على وحي الله ورسالته، وقرأ ابن كثير وعاصم {أجري} ساكنة الياء، وقرأ نافع وأبو جعفر وشيبة بفتح الياء في كل القرآن، ثم رد عليهم الأمر بالتقوى والدعاء إلى طاعته تحذيراً ونذارة وحرصاً عليهم فذهب أشرافهم إلى استنقاص أتباعه بسبب صغار الناس الذين اتبعوه وضعفائهم، وهذا كفعل قريش في شأن عمار بن ياسر وصهيب وغيرهما، وقال بعض الناس {الأرذلون} الحاكة، والحجامون والأساكفة، وفي هذا عندي على جهة المثال أي أهل الصنائع الخسيسة لا أن هذه الصنائع المذكورة خصت بهذا، و{الأرذلون} جمع الأرذل ولا يستعمل إلا معرفاً أو مضافاً أو بـ من.
قال القاضي أبو محمد: ويظهر من الآية أن مراد {قوم نوح} بنسبة الرذيلة إلى المؤمنين تهجين أفعالهم لا النظر في صنائعهم، يدل على ذلك قول نوح {ما علمي} الآية، لأن معنى كلامه ليس في نظري وعلمي بأعمالهم ومعتقداتهم فائدة إنما أقنع بظاهرهم وأجتزئ به، ثم حسابهم على الله تعالى، وهذا نحو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمرت أن أقاتل الناس» الحديث بجملته، وقرأ جمهور الناس {واتبعك} على الفعل الماضي، وقرأ ابن السميفع اليماني وسعيد بن أسعد الأنصاري {وأتباعك} على الجمع، ونسبها أبو الفتح إلى ابن مسعود والضحاك وطلحة، قال أبو عمرو وهي قراءة ابن عباس والأعمش وأبي حيوة، وقرأ عيسى بن عمر الهمذاني {لو يشعرون} بالياء من تحت، وإعراب قوله {وأتباعك} إما جملة في موضع الحال وإما عطف على الضمير المرفوع وحسن لك الفصل بقوله {لك}، وقولهم {من المرجومين}، يحتمل أن يريدوا بالحجارة، ويحتمل أن يريدوا بالقول والشتم ونحوه، وهو شبيه برجم الحجارة، وهو من الرجم بالغيب والظن ونحو ذلك، وقوله {افتح} معناه احكم، والفتاح القاضي بلغة يمنية، و{الفلك} السفينة وجمعها فلك أيضاً، وقد تقدم بسط القول في هذا الجمع في سورة الأعراف، و{المشحون} معناه المملوء بما ينبغي له من قدر ما يحمل، وباقي الآية بين.


{عاد} قبيلة، وانصرف للخفية، وقيل هو اسم أبيهم وخاطبهم {هود} عليه السلام بمثل مخاطبة سائر الرسل، ثم كلمهم فيما انفردوا به من الأفعال التي اقتضتها أحوالهم فقال {أتبنون} على جهة التوبيخ، والريع المرتفع من الأرض، ومنه قول المسيب ابن عباس يصف ظعناً: [الكامل]
في الآل يخفضها ويرفعها *** ريع يلوح كأنَّه سحل
والسحل الثوب الأبيض ومنه قول ذي الرمة: [الطويل]
طراق الخوافي مشرق فوق ريعة *** ندى ليله في ريشه يترقرق
ومنه قول الأعشى: [المتقارب]
وبهماء قفر تجاوزتها *** إذا خب في ريعها آلها
ويقال رِيع بكسر الراء ويقال رَيع بفتحها، وبها قرأ ابن أبي عبلة وعبر بعض المفسرين عن الريع بالطريق وبعضهم بالفج وبعضهم بالثنية الصغيرة.
قال القاضي أبو محمد: وجملة ذلك أنه المكان المشرف وهو الذي يتنافس البشر في مبانيه، والآية، البنيان، قال ابن عباس آية علم، قال مجاهد أبراج الحمام، قال النقاش وغيره القصور الطوال، والمصانع جمع مصنع وهو ما صنع وأتقن في بنائه من قصر مشيد ونحوه، قال قتادة هي ما خد للماء، وقوله {لعلكم تخلدون} إما أن يريد على أملكم ورجائكم، وإما أن يريد الاستفهام على معنى التوبيخ والهزء بهم، وقرأ الجمهور {تَخلُدون} بفتح التاء وضم اللام، وقرأ قتادة {تُخلَدون} بضم التاء وفتح اللام يقال خلد الشيء وأخلده غيره وقرأ أبي وعلقمة {لعلكم تُخلَّدون} بضم التاء وفتح الخاء وفتح اللام وشدّها، وروي عن أبي، {كأنكم تخلدون} وروي عن ابن مسعود {كي تخلدون}، والبطش الأخذ بسرعة وقوة، والجبال المتكبر، ومنه قولهم نخلة جبارة إذا كانت لا تدرك علواً.
ومنه قوله عليه السلام في المرأة التي أبت أن تتنحى عن طريقه «إنها جبارة»، ومنه الجبروت فالمعنى أنكم كفار الغضب، لكم السطوات المفرطة، والبوادر من غير تثبت، ثم ذكرهم عليه السلام بأيادي الله قبلهم فيما منحهم من الأنعام والذرية والجنات والمياه المطردة فيها، ثم خوفهم عذاب الله تعالى في الدنيا فكانت مراجعتهم أن سووا بين وعظه وتركه الوعظ، وقرأ ابن محيصن {أوعت} بإدغام الظاء في التاء، ثم قالوا {إن هذا إلا خلق الأولين}، واختلفت القراءة في ذلك، فقرأ نافع وعاصم وحمزة وابن عامر {خلُق} بضم اللام فالإشارة بهذا إلى دينهم وعبادتهم وتخرقهم في المصانع، أي هذا الذي نحن عليه خلق الناس وعادتهم وما بعد ذلك بعث ولا تعذيب كما تزعم أنت، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي وأبو قلابة {خُلْق الأولين} بضم الخاء وسكون اللام ورواها الأصمعي عن نافع، وقرأ أبو جعفر وأبو عمرو {وخَلْق الأولين} بفتح الخاء وسكون اللام وهي قراءة ابن مسعود وعلقمة والحسن، وهذا يحتمل وجهين: أحدهما وما هذا الذي تزعمه إلا اختلاق الأولين من الكذبة قبلك وكذبهم فأنت على منهاجهم، والثاني أن يريدوا وما هذه البنية التي نحن عليها إلا البنية التي عليها الأولون حياة وموت وما ثم بعث ولا تعذيب، وكل معنى مما ذكرته تحتمله كل قراءة، وروى علقمة عن ابن مسعود {إلا اختلاق الأولين} وباقي الآية قد مضى تفسيره.


{ثمود} قبيلة عربية وتصرف على مقصد الحي أو القبيلة، وقرأ بالوجهين، الجمهور بغير صرف وابن وثاب وغيره بالصرف، و{صالح} أخوهم في النسب والأنبياء من العرب أربعة هود وصالح وشعيب ومحمد عليهم السلام، وإسماعيل عليه السلام عربي اللسان سرياني النسب وهو أبو العرب الموجودين اليوم، وقوله {أتتركون في ما هاهنا} تخويف لهم بمعنى أتطمعون أن تقروا في النعم على معاصيكم، والهضيم معناه اللين الرطب والطلع الكفرى وهو عنقود التمر قبل أن يخرج من الكم في أول نباته فكأن الإشارة إلى أن طلعها يثمر ويرطب، قال ابن عباس إذا أينع وبلغ فهو {هضيم} وقال الزهري الهضيم الرخص اللطيف أول ما يخرج، وقال الزجاج هو فيما قيل الذي رطبه بغير نوى، وقال الضحاك الهضيم معناه المنضد بعضه على بعض.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وقرأ الجمهور {تنحِتون} بكسر الحاء، وقرأ عيسى بفتحها، وذكر أنها لغة قال أبو عمرو وهي قراءة الحسن وأبي حيوة، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر {فارهين} وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {فرهين}، وقرأ مجاهد {متفرهين} على وزن متفعلين، واللفظة مأخوذة من الفراهة وهي جودة منظر الشيء وخبرته وقوته وكماله في نوعه فمعنى الآية كيسين متهممين قاله ابن عباس، وقال مجاهد شرهين. وقال ابن زيد أقوياء وقال أبو عمرو بن العلاء آشرين بطرين، وذهب عبد الله بن شداد إلى أنه بمعنى مستفرهين أي مبالغين في استجادة الفاره من كل ما تصنعونه وتشتهونه، وقوله {ولا تطيعوا أمر المسرفين} خاطب به جمهور قومه وعنى، ب {المسرفين} كبراءهم وأعلام الكفر والإضلال فيهم، وقولهم {من المسحرين} فيه تأويلان: أحدهما مأخوذ من السَّحر بكسر السين أي قد سحرت فأنت لذلك مخبول لا تنطق بقويم، والثاني أنه مأخوذ من السِّحر بفتح السين وهي الرئة وبسببها يقال انفتح سحره. وقيل السحر قصبة الرئة بما يتعلق بها من كبد وغيره، أي أنت ابن آدم لا يصح أن تكون رسولاً عن الله، وما بعده في الآية يقوي هذا التأويل ومن اللفظة قول لبيد: [الطويل]
فإن تسألينا فيم نحن فإننا *** عصافير من هذا الأنام المسحر
ويقال للاغتداء التسحير ومنه قول امرئ القيس:
ونسحر بالطعام وبالشراب *** ثم اقترحوا عليه آية وروي أنهم اقترحوا خروج ناقة من جبل من جبالهم، وقصتها في هذه الآية وجيزة وقد مضت مستوعبة، فلما خرجت الناقة {قال} لهم {هذه ناقة لها شرب}، وهو الحظ من الماء، وقرأ ابن أبي عبلة {لها شُرب ولكم شُرب} بضم الشين فيهما، وقد تقدم قصص ورود الناقة، والسوء عقرها، وتوعدهم عليه بعذاب ظاهر أمره أنه أراد في الدنيا وكذلك استمر الوجود، ونسب عقرها إلى جميعهم مع اختصاص قدار الأحمر بعقرها من حيث اتفقوا على ذلك رأياً وتدبيراً، وقوله {فأصبحوا نادمين} لما ظهر لهم تغيير ألوانهم حسبما كان صالح أخبرهم ندموا، ورأوا أن الأمر على ما أخبر به حتى نزل بهم العذاب، وكانت صيحة خمدت لها أبدانهم وانشقت قلوبهم وماتوا عن آخرهم وصبت عليهم حجارة خلال ذلك.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8